الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.مسير بركيارق عن بغداد ودخول محمد وسنجر إليها. ولما استولى السلطان محمد وأخوه سنجر على همذان سار في اتباع بركيارق إلى حلوان فقدم عليه هنالك أبو الغازي ابن ارتق في عساكره وخدمه وكثرة جموعه فسار إلى بغداد وبركيارق عليل بها فاضطرب أصحابه وعبروا به إلى الجانب الغربي ووصل محمد إلى بغداد آخر سنة أربع وتراءى الجمعان بشاطىء دجلة وجرت بينهم المراماة والنشاب وكان عسكر محمد ينادون عسكر بركيارق يا باطنية ثم سار إلى واسط ونهب عسكره جميع ما مروا عليه ودخل محمد إلى دار المملكة ببغداد وجاءه توقيع المستظهر بالاستبشار بقدومه وخطب له ونزل الملك سنجر بدار كوهراس ووفد على السلطان محمد ببغداد صدقة صاحب الحلة في محرم سنة خمس وسبعين..قتل بركيارق الباطنية. كان هؤلاء الباطنية قد ظهروا بالعراق وفارس وخراسان وهم القرامطة والدعوة بعينها دعوتهم إلا أنهم سموا في هذه الاجيال بالباطنية والاسماعيلية والملاحدة والفداوية وكل اسم منها باعتبار فالباطنية لأنهم يبطنون دعوتهم والاسماعيلية لانتساب دعوتهم في أصلها لاسمعيل الامام بن جعفر الصادق والملاحدة لان بدعتهم كلها الحاد والفداوية لأنهم يفادون أنفسهم بالمال على قتل من يسلطون والقرامطة نسبة إلى قرمط منشىء دعوتهم وكان أصلهم من البحرين في المائة الثالثة وما بعدها ثم نشأ هؤلاء بالمشرق أيام ملك شاه فأول ما ظهروا باصبهان واشتد في حصار بركيارق وأخيه محمود وأمه خاتون فيها ثم ثارت عامة اصبهان بهم باشارة القضاة وأهل الفتيا فقتلوهم في كل جهة وحرقوهم بالنار ثم انتشروا واستولوا على القلاع ببلاد العجم كما تقدم في أخبارهم ثم أخذ بمذهبهم نيران شاه بن بدران شاه بن قارت بك صاحب كرمان حمله عليه كاتب من أهل خوزستان يسمى أبا زرعة وكان بكرمان فقيه من الحنفية يسمى أحمد بن الحسين البلخي مطاع في الناس فخشي من نكيره فقتله فهرب عنه صاحب جيشه وكان شحنة البلد ولحق بالسلطان محمد ومؤيد الملك باصبهان وثار الجنا بعده بنيران شاه إلى مدينة كرمان فمنعه أهلها ونهبوه فقصد قلعة سهدم واستجار بصاحبها محمد بهستون وبعث أرسلان شاه عساكر لحصارها فطرده بهستون وبعث مقدم العساكر في طلبه فجيء به أسيرا وبأبي زرعة الكاتب معه فقتلهما أرسلان شاه واستولى على بلاد كرمان وكان بركيارق كثيرا ما يسلطهم على من يريد قتله من الامراء مثل انز شحنة اصبهان وأرغش وغيرهم فامنوا جانبه وانتشروا في عسكره واغروا الناس ببدعتهم وتجاوزوا إلى التهديد عليها حتى اعيان العسكر وصار بركيارق يصرفهم على أعدائه والناس يتهمونه بالميل إليهم فاجتمع أهل الدولة وعذلوه بركيارق في ذلك فقبل نصيحتهم وأمر بقتل الباطنية حيث كانوا فقتلوا وشردوا كل مشرد وبعث إلى بغداد بقتل أبي إبراهيم الاستراباذي الذي بعثه أبو الاغر لاستقصاء أموال مؤيد الملك وكان يتهم بمذهبهم فقتل وقتل بالعسكر الأمير محمد من ولد علاء الدين بن كاكويه وهو صاحب مدينة تيرد وكان يتهم بمذهبهم وسعى بالكيا الهراسي مدرس النظامية أنه باطني فأمر السلطان محمد بالقبض عليه حتى شهد المستنظر ببراءته وعلو درجته في العلم فأطلقه وحسمت علة الباطنية بين الجمهور وبقي امرهم في القلاع التي ملكوها إلى أن انقرضوا كما تقدم في أخبارهم مستوفي..المصاف الثالث بين بركيارق ومحمد والصلح بينهما. ولما رحل بركيارق عن بغداد إلى واسط ودخل إليها السلطان محمد أقام بها إلى منتصف المحرم من سنة خمس وسبعين ثم رحل إلى همدان وصحبه السلطان سنجر لقصد خراسان موضع امارته وجاءت الأخبار إلى المستظهر باعتزام بركيارق على المسير إلى بغداد ونقل له عنه قبائح من أقواله وأفعاله فاستدعى السلطان محمدا من همدان وقال أنا أسير معك لقتاله فقال محمد أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين ورجع ورتب ببغداد أبا المعالي شحنة وكان بركيارق لما سار إلى واسط هرب أهلها منه إلى الزبيدية ونزل هو بواسط عليلا فلما أفاق أراد العبود إلى الجانب الشرقي فلم يجد سفنا ولانوايتة وجاءه القاضي أبو علي الفارسي إلى العسكر واجتمع بالأمير اياز والوزير فاستعطفهما لأهل واسط وطلب إقامة الشحنة بينهم فبعثاه وطلبا من القاضي من يعبر فأحضرهم لهم رجالا عبروا بهم فلما صاروا في الجانب الشرقي نهب العسكر البلد فجاء القاضي واستعطفهم فمنعوا النهب واستأمن إليهم عسكر واسط فأمنوهم وسار بركيارق إلى بلاد بلخ وبرسق في الاهواز وساروا معه ثم بلغه مسير أخيه محمد عن بغداد فسار في اتباعه على نهاوند إلى أن أدركه وتصافوا ولم يقتتلوا لشدة البرد ثم عاودوا في اليوم الثاني كذلك وكان الرجل يخرج لقريبه من الصف الاخر فيتصافحان ويتساءلان ويفترقان ثم جاء الأمير بكراج وعبر من عسكر محمد إلى الأمير أياز والوزير الأغر فاجتمعوا وعقدوا الصلح بين الفريقين على إن السلطان بركيارق والملك محمد ويضرب له ثلاث نوب ويكون له من البلاد حرة وأعمالها وأذربيجان وديار بكر والجزيرة والموصل ويمده بركيارق بالعساكر على من يمتنع عليه منها وتحالفا على ذلك وافترقا وكان العقد في ربيع الاول سنة خمس وتسعين وسار بركيارق إلى ساوة ومحمد إلى استراباذ وكل أمير على أقطاعه والله سبحانه وتعالى أعلم.
|